الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: العقد الفريد **
قال الفتيه أبو عمر أحمدُ بن محمد بن عبد ربّه رحمه اللّه: قد مَضى قولُنا في أيام العرب ووقائعها وأخبارها ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في فضائل الشعر ومَقاطعه ومَخارجه إذ كان الشعر ديوانَ العرب خاصة والمنظومَ من كلامها والمقيِّدَ لأيامها والشاهد على أحكامها. حتى لقد بلغ من كَلَف العرب به وتَفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تَخيَّرتها من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القبَاطيّ المُدرجة وعَلِّقتها بين أستار الكعبة. فمنه يقال: مذهَّبة امرئ القيس ومُذَهَّبة زُهير. والمذَهبات سبع وقد يقال لها المُعَلقات. قال بعضُ المحدثين يصف قصيدةً له ويُشبهها ببعض هذه القصائد التي ذكرت: بَرْزة تُذكر في الحُس ن من الشعر المعلق كل حَرْف نادرٍ من ها له وجهٌ معشق المعلقات لامرئ القَيس: قِفَا نَبْكِ من ذكرى حبيب ومنزل. أمن أم أوفى دِمْنة لم تكلم ولطَرَفة: لِخَوْلة أطلالٌ ببرقة ثَهمد ولعَنترة: يا دارَ عَبلة بالجواء تكلمي ولعمرو بن كُلْثوم ألا هُبِّي بصحنك فاصْبحينا وللَبيد: عفَت الدِّيار محلها فمقامها وللحارث بن حِلَّزة: آذَنَتْنا ببَيْنها أسماء اختلاف الناس في أشعر الشعراء قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم وذُكر عنه امرؤ القيس بن حُجْر: هو قائد الشعراء وصاحبُ حلفتُ فلم اتركْ لنَفْسك رِيبةً وليس وراء الله للمرءِ مَذْهَبُ قالوا: نابغة بني ذُبيان. قال لهم: فمن الذي يقول هذا الشعر: أتيتُك عارياً خَلَقاً ثِيابي على وَجَل تُطَنُّ بيَ الظُنونُ فألفيت الأَمانةَ لم نَخنها كذلك كَان نُوح لا يَخون قالوا: هو النابغة. قال: هو أشعرُ شُعرائكم. وما أحسب عُمر ذهب إلا إلى أنه أشعرُ شُعراء غَطفان: ويَدُل على ذلك قوله: هو أشعرُ شُعرائكم. وقد قال عمر لابن عَباس: أنشدني لأشعر الناس الذي لا يُعاظِل بين القوافي ولا يَتَتَبَّع حُوشيّ الكلام. قال: مَن ذلك يا أمير المؤمنين قال: زُهير بن أبي سُلْمى. فلم يَزل يُنشده من شعره حتى أصبح. وكان زُهير لا يَمدح إلا مُستحقّاً كمدحه لِسنان بن أبي حارثة وهَرِم بن سِنان وهو القائِل: وانّ أشعر بيتِ أنتَ قائلُه بيتٌ يُقال إذا أنشدتَه صَدَقا وكذلك أحسنُ القول ما صدّقه الفعل قالت بنو تَميمٍِ لسَلامة بن جَندَل: مجدْنا بشعرك قال: افعلوا حتى أقول. وقيل للبيد: مَن أشعر الشعراء قال: صاحبُ القُروح - يريد امرأ القيس - قيل له: فبعده مَن قال: ابن العِشْرين - وقيل للحُطيئة: من أشعَر الناس قال: النابغة إذا رَهب وزُهير إذا رَغب وجَرير إذا غَضِب. وقال أبو عمرو بن العلاء: طرفة أشعرُهم واحدةً يعني قصيدته: لِخولة أطلالٌ بِبُرقة ثَهْمد وفيها يقول: ستُبدى لك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً ويَأتيك بالأخبار مَن لم تزوِّدِ وانشد النبي صلى الله عليه وسلم هذا البيتَ فقال: هذا من كلام النُّبوة. وسمع عبد الله بن عمر رجلاً ينشد بيت الحُطيئة: مَتى تَأْتِه تَعْشُو إلى ضَوء نارِه تَجدْ خَيْرَ نارٍ عندها خيرُ موقِدِ فقال: ذاك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إعجاباً بَالبيت. يعني أنّ مثل هذا المَدح لا يَستحقّه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُئل الأصمعيّ عن شعر النابغة فقال: إنْ قلت ألينُ من الحرير صدقتَ وإن قلتَ أشدّ من الحديد صدقت. وسُئل عن شعر الجَعديّ فقال: مُطْرف بآلاف. وخِمار بواف. وسُئل حمَّاد الراوية عن شعر ابن أبي رَبيعة فقال: ذلك الفسِتق المُقشرّ الذي لا يُشبع منه. وقالوا في عمرو بن الأهتم: كان شعره حللاً مًنَشرَة. وسُئل عمرو بن العلاء عن جَرير والفَرزدق فقال: هما بازيان يَصيدان ما بين الفِيل والعَنْدبيل. وقال جرير: أنا مدينةُ الشعر والفَرزدقُ نَبْعته. وقال بلالُ بن جرير: قلت لأبي: يا أبت إنك لم تَهْج قوماً قطُّ إلا وضعتَهم إلا بني لَجأ. قال: إنّي لم أجد شرفاً فأضعَه ولا بناء فأهدمه. واختلف الناس في أَشعر نصف بَيت قالته العربُ. فقال بعضهم: قولُ أبي ذُؤيب الهُذلي: والدهرُ ليس بمُعتب من يَجْزَع وقال بعضهُم: قول حُميد بن ثَور الهِلاليّ: نوكّل بالأدنى وإن جَلَّ ما يَمضي وقال بعضهُم قول زُميل: ومَن يَكُ رهناً للحوادث يَغلق وهذا ما لا تُدرك غايته ولا يُوقف على حده. والشعر لا يفوت به أحد ولا يأتي له بديع إلا أتى ما هو أبدعُ منه وللّه دَرّ القائل: أشعر الناس مَن أبدع في شعره. إلا ترى مَروان بن أبي حَفصة على موضعه من الشعر وبُعد صِيته فيه ومَعرفته بغَثِّه وسَمِينه انشدوه لامرئ القَيس فقال: هذا أشعرُ الناس. وقد قالوا: إنَّ لحسَّان بن ثابت أفخِرَ بيت قالته العرب وأحكمَ بيت قالته العرب. فأما أفخر وبيوم بَدْرٍ إذ يرد وجوهَهم جِبريل تحت لِوائنا ومحمدُ وأما أحكم بيت قالته العرب فقوله: وإنَ امرأً أَمسى وأصبح سالماً من النَّاس إلا ما جَنى لسعيدُ وقالوا: أهجى بيت قالته العرب قول جرير: والتَّغْلبيّ إذا تَنَحْنح للقِرَى حكَّ آسْتَه وتمثَّلَ الأمْثَالاَ ولما قال جرير هذا البيت قال: والله لقد هجوتُ بني تَغلب ببيت لو طُعنوا في أستاههم بالرِّماحِ ما حكّوها. ويقال: إن أبدع بيت قالته العرب قولُ أبي ذُؤيب الهُذَليّ: والنفسُ راغبةٌ إذا رَغَّبتها وإذا تُردُّ إلى قَليلٍ تَقْنعُ ويقال: إنَّ أصدق بيت قالته العرب قولُ لَبيد: ألاَ كُل شيءٍ ما خلا الله باطلُ وكُل نَعيم لا محالةَ زائلُ وذُكر الشعر عند عبد الملك بن مَروان فقال: إذا أردتُم الشعر الجيِّد فعليكم بالزُّرق من بني قيس بن ثَعلبة وهم رهط أعشى بَكْر وبأصحاب النِّخل من يَثرب يريد الأوس والخَزْرج وأصحاب الشَّعف من هُذيل والشَّعف: رءوس الجبال. ومن الدليل على عِظَم الشِّعر عند العرب وجليل خَطْبهِ في قلوبهم أنَّه لما بُعث النبيُ صلى الله عليه وسلم بالقرآن المُعجِز نظمه المُحكم تأليفه وأعجب قريشاً ما سمعوا منه قالوا: ما هذا إلا سِحْر. وقالوا في النبيّ صلى الله عليه وسلم: " وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في عمرو بن الأهتم لمّا أعجبه كلامُه: إنَّ مِنِ البيان لَسِحْراً. لقد خشيت أن تَكون ساحرَاً روايةً مَرّاً ومراً شاعرَاً وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّ من الشعر لحِكْمة. وقال كعبُ الأحبار: إنّا نَجد قوماً في التوراة أناجيلُهم في صُدورهم تَنطق ألسنتهم بالحِكْمة وأظنّهم الشُّعراء. وقال عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه: أفضلُ صِناعات الرَّجل الأبيات من الشِّعر يُقدِّمها في حاجاته يَستعطف بها قلبَ الكريم ويستميل بها قلب اللئيم. وقال الحجَّاج للمُساور بن هند: ما لك تقول الشعرَ وقد بلغتَ من العُمر ما بلغتَ قال. أرعى به الكلأ وأشرب به الماء وتقضي لي به الحاجة فإن كفيتَني ذلك تركتهُ. وقال عبدُ الملك بن مروان لمؤدِّب ولده: روَهم الشِّعر يَمْجدوا ويَنْجدوا. وقالت عائشة: روُّوا أولادَكم الشعرَ تعذُب ألسنتهم. وبعث زياد بولده إلى معاوية فكاشفه عن فنون منِ العِلم فوجده عالماً بكل ما سأله عنه. ثم أستنشده الشعر فقال: لم أَرْوِ منه شيئاً. فكتب معاويةُ إلى زياد: ما منَعك أن تُرَوِّيه الشعر فوالله إن كان العاقّ لَيَرْويه فَيبرّ وإن كان البخيل لَيَرْويه فيسخُو وإن كان الجبان لَيَرْويه فيقاتل. وكان علي رضي الله عنه إذا أراد المُبارزة في الحرب أنشأ يقول: أيّ يوميّ من المَوتِ أفرّ يومَ لا يُقدر أم يوم قَدِرْ يومَ لا يُقدر لا أَرْهَبه ومِن المَقدور لا يَنجو الحَذِر وقال المقداد بن الأسود: ما كنتُ أعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بشِعر ولا فَريضة من عائشة رضي الله عنها. وفي رواية الخُشَنِيّ عن أبي عاصمٍ عن عبد الله بن لاحق عن ابن أبي مُليكة قال: قالت عائشة: رحم الله لَبيداً كان يقول: قَضِّ اللُبانةَ لا أبالك وأذهبِ والحق بأسرتك الكِرام الغُيَّبِ ذهب الذين يُعاش في أكنافهم وبقيتُ في خَلف كجِلْدِ الأجرب فكيف لو أدرك زَماننا هذا! ثم قالت: إني لأروي ألفَ بيت له وإنه أقلُّ ما أروي لغيره. وقال الشَعبيّ: ما أنا لشيء من العِلم أقلّ مني روايةً للشِّعر ولو شئتُ أن أنشد شعراً شهراً لا أعيد بيتاً لفعلت. وسمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم عائشة وهي تُنشد شعر زُهير بن جَناب: أرفَعْ ضعيفَك لا يَحُر بك ضعْفهُ يوماً فتُدركَه عواقبُ ما جَنَى فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: صدق يا عائشة لا يشكر الله مَن لا يشكر الناس. يزيد بن عمرو بنِ مسلم الخُزاعي عن أبيه عن جَدّه قال: دخلتُ على النبيّ صلى الله عليه وسلم ومُنشد يُنشده قول سُويد بن عامر المصطلق: لا تأمنَن وإن أمسيتَ في حَرَمٍ إنَّ المَنايا بجَنْبي كُل إِنْسانِ فاسلُك طريقَك تَمْشي غير مُخْتَشع حتى تلاقِي الذي مَنَّى لك الماني فكل ذي صاحب يوماً مُفارقهُ وكُلّ زادٍ وإنّ أبقيته فاني والخيرُ والشرُّ مَقْرونان في قَرَن بكُل ذلك يأتيك الجَدِيدان فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لو أَدرك هذا الإسلام لأسلم. أبو حاتم عن الأصمعي قال: جاء رجُل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدك يا رسول اللّه قال: نعم. فأنشده: تركتُ القِيان وَعزْف القِيان وأدمنتُ تَصليةً وابتهالا وكَرِّي المُشقَّر في حَوْمة وشَنِّي على المُشْركين القِتالا فيا ربّ لا أغبننْ صفقتيَ فقد بِعْت مالي وأهلي بدالا فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: رَبح البَيع ربح البيع. قدم أبو ليلى النابغة الجَعديّ على بَلَغنا السماءَ مجدنا وسناؤنا وإِنا لَنرجو فوق ذلك مَظْهَرَا فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: إلى أين يا أبا ليلى فقال: إلى الجنة يا رسول الله بك. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: إلى الجنة إن شاء اللّه: فلما انتهى إلى قوله: ولا خير في حِلم إذا لم تَكُن له بوادرُ تَحْمِي صَفْوه أن يُكَدَّرا ولا خيرَ في جَهل إن لم يكُن له حَلِيم إذا ما أورد الأمرُ اصدرَا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا يفْضض الله فاك. فعاش مائةً وثلاثين سنة لم تَنْغُض له ثنية. سفيان الثّوري عن لَيث عن طاووس عن ابن عباس قال: إنها لكَلمة نبيّ. يَعني قولَ طرفة: ستُبدي لك الأيامً ما كنت جاهلاً وَيأتيك بالأحبار مَن لم تُزودِ وسمع كعب قولَ الحُطيئة: مَن يفعل الخير لا يَعْدَم جَوازيه لا يذْهبُ العُرف بين الله والناس قال: إنه في التّوْراة حَرْفاً بحَرف: يقول اللّه تعالى: " مَن يفعل الخير يَجدْه عندي لا يذهب الخيرُ بيني وبينَ عبدي ". وقال عبد الله بن عبّاس: أنشدت النبيّ صلى الله عليه وسلم أبياتاً لأًمية بن أبي الصَّلت يذكر رَجُلٌ وثَورٌ تحتَ رِجْل يَمينه والنّسرِ للأخرى وليثٌ مُرْصَدُ والشمسُ تَطْلُع كُل آخر ليلةٍ فجراً ويُصبح لونُها يتوقد تبدو فما تبدو لهم في وَقْتها إلا مُعذِّبة وإلا تُجْلَد فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم كالمُصدِّق له. ومن حديث ابن أبي شَيْبة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أردف الشريد فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: تَرْوي من شِعر أُمية بن أبي الصَّلت شيئاً قلتُ: نعم. قالت: فأنشِدني. فأنشدته. فجعل يقول بين كل قافيتين: هيه حتى أنشدتُه مائة قافية. فقال: هذا رجل آمن لسانه وكَفر قلبُه. ولو لم يكن من فضائل الشعر إلا أنه أعظم جُند يجنّده رسول الله صلى الله عليه وسلم على المُشركين يدُل على ذلك قولُه لحَسان: شُنَ الغَطاريف على بني عبد مناف فوالله لشعرك أشدُّ عليهم من وقع السهام في غلس الظلام: وتَحفظْ ببَيْتي فيهم. قال: والذي بعثك بالحقّ نبيَّاً لأسُلّنّك منهم سَلّ الشّعرة من العجين. ثم أخرج لسانه فضرب به أَرنبة أَنفه وقال: والله يا رسولَ الله إنه ليخيّل لي أنّي لو وضعته على حَجر لفَلقه أو على شَعَر لحَلقه. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيد الله حسّاناً في هَجْوه برُوح القُدس. وقال ابن سيرين: بلغني أنّ دَوْساً إنما قَضينا من تِهامة كُلّ نحب وخَيْبر ثم أَغْمدنا السيوفَا نُخبِّرها ولو نَطقت لقالت قواضبُهنَّ دَوْساً أو ثَقِيفاً وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت لقد شكر الله لك قولَك حيثُ تقول: زعمتْ سَخينةُ أنْ ستغلب رَبَّها ولَيُغْلبنّ مُغالب الغَلاّبِ ولو لم يكن من فضائل الشّعر إلا أنّه أعظمُ الوسائل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن ذلك أنه قال لعبد الله بن رَواحة: أَخْبرني ما الشعرُ يا عبد الله قال: شيء يَختلج في صَدْري فيَنطق بهِ لساني. قال: فأَنْشِدني فأَنشده شعره الذي يقول فيه: فثبَّت الله ما آتاك مِنْ حَسَنِ فَفَوْتَ عيسى بإذْن الله والقَدَرِ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: وإياك ثَبَّت الله وإياك ثَبت الله ومِن ذلك ما رواه ابنُ إسحاق صاحب المَغازي وابنُ هشام. قال ابن إسحاق: لما نزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصفراء - قال ابنُ هشام: الاثيلِ - أمر عليَّاً فضرَب عنق النَضر بن الحارث بن كَلدة بن عَلْقمة بن عبد مناف صبراً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت أُختُه قُتيلة بنت الحارث ترثيه: يا راكباً إنّ الأثيل مَظنّة من صُبحِ خامسة وأنت مُوفقُ مني عليك وعَبرة مَسْفوحة جادت بواكِفها وأًخرى تَخنُق هل يَسمعني النضرُ إن ناديتُه أم كيف يَسمع مَيت لا ينطق أمحمد يا خيرَ ضِنْء كَريمة في قَومنها والفحلُ فحلٌ مُعرق ما كان ضرك لو مَننت وربما مَنّ الفتى وهو المَغيظ المُحنق فالنضر أقربُ من أَسرت قرابةً وأحقُّهم إن كان عِتْق يُعتق ظَلّت سيوفُ بني أبيه تَنوشه للهّ أرحام هناك تمزق صبراً يُقاد إلى المنيّة مُتعباً رَسْفَ المُقيّد وهو عانٍ مُوثَق قال ابن هشام: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا بلغه هذا الشعر: لو بلغني قبلَ قتله ما قتلْتهُ. من حديث زياد بن طارق الجشميّ قال: حدّثني أبو جَرْول الجُشمي وكان رئيس قومه قال: أَسَرَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم حُنين فبينما هو يُميز الرجال من النساء إذ وثبتُ فوقفتُ بين يديه وأنشدته: امنُن علينا رسولَ الله في حُرَم فإنك المرءُ نرجوه ونَنتظر امنُن على نِشوة قد كنتَ تَرْضعها يا أَرجح الناس حِلْماً حين يُخْتبر فذكَّرته حين نشأ في هوازن وأرضعوه. فقال عليه الصلاةُ والسلام: أمّا ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو للّه ولكم. فقالت الأنصار: وما كان لنا فهو للّه ولرسوله. فردّت الأنصار ما كان في أيهديها من الذَّراري والأموال. فإذا كان هذا مَقامِ الشعر عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فأي وسيلة تَبلغه أو تعْشره. وكان الذي هاج فتْح مكة أنّ عمرو بن مالك الخْزاعِيّ أحدَ بني كَعب خَرج من مكة حتى قَدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكانت خُزاعة في حِلْف النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفي عهده وعَقْده فلمّا انتقضت عليهم قريش بمكة وأصابوا منهم ما أصابوا أقبل عمرو بنُ مالك الخُزاعيّ بأبيات قالها. فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس فقال: يا رب إنّي ناشدٌ مُحمدَاً حِلْفَ أَبينا وأَبيه الأتْلدَا قد كنتُم وُلْداً وكُنّا وَلدا ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا إنّ قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك الموكدا وجعلوا لي في كَداء رَصداً وزعموا أن لست أدعو أحدا وهم أذلّ وأقل عدداً هُم بيّتونا بالوتير هُجَّدا وأدْع عبَاد الله يأتوا مَدَدا فيهِم رسولُ الله قد تجرّدا إنْ سِيم خَسْفاً وجهُه تَربّدا في فَيْلق كالبَحر يَجْري مُزْبدا قال ابن هشام: فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نُصرت يا عمرو بن مالك. ثمَّ عَرض عارضٌ من السماء فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه السحابة تستهلّ بنَصْر بني كعب. وقال عمر بن الخطّاب: الشعر جَزل من كلام العرب يُسكَّن به الغَيظ وتُطفأ به الثائرة ويتبلَّغ به القومُ في ناديهم وُيعطى به السائل. وقال ابنِ عبّاس: الشعر عِلْم العرب وديوانها فتعلَّموه وعليكم بشعر الحِجاز. فأحسبه ذهب إلى شعر الحجاز وحَضَّ عليه إذ لغتهم أَوسط اللّغات. وقال معاويةُ لعبد الرحمن بن الحكم: يا بن أخي إنك شُهرت بالشعر فإياك والتشبيبَ بالنّساء فإنك تغرّ الشريفة في قومها والعفيفة في نفسها والهجاء فإنك لا تَعْدو أن تُعادي كريماً أَو تَستثير به لئيماً. ولكن افخر بمآثر قَومك وقُل من الأمثال ما تُوَقّر به نفسك وتؤدِّب به غيرك. وسُئل مالك ابن أنس: منِ أين شاطر عمرُ بن الخطاب عُمّاله فقال أموال كثيرة ظهرت عليهم وإنّ شاعراً كتب إليه يقول: نَحجُّ إذا حَجُّوا ونَغْزو إذا غَزَوْا فأنيَّ لهم وَفْر وَلَسنا بذي وَفْر فدونك مالَ الله حيثُ وجدتَه سَيرضَون إن شاطرتهم منك بالشَّطْر قال: فشاطرهم عُمر أموالهم. وأنشد عمر بن الخطّاب قولَ زُهير: فإن الحق مَقْطعه ثلاثٌ يَمين أو نَفارٌ أو جَلاءُ فجعل يعجب بمعرفته بمقاطع الحُقوق وتَفصيلها وإنما أراد: مَقطع الحقوق يَمين أو حكومة أو بيِّنة. وأُنشد عُمر قول عَبَدة بن الطَّبيب: والعيشُ شح وإشفاقٌ وتَأميلُ فقال: على هذا بُنيت الدنيا. ولمّا هاجر النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهاجر أصحابُه مستهم وباء المدينة فمرض أبو بكر وبلال. قالت عائشة: فدخلتُ عليهما فقلت: يا أبت كيف تَجدك ويا بِلال كيف تَجدك قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول: كُلّ امرئ مُصَبّح في أهله والموتُ أَدْنى من شرِاك نَعْلِهِ وقالت: وكان بلال إذا أَقلعت عنه يَرفع عقيرته ويقول: ألا ليتَ شِعْري هل أبيتنّ ليلةً بوادٍ وحَوْلي إذْخر وجَليلُ قالت عائشة: وكان عامر بن فُهيرة يقول: وقد رأيتُ الموتَ قبل ذَوْقه إنّ الجَبان حَتْفه مِن فَوْقه كالثَور يَحْمي جِلده برَوْقِه قالت عائشة: فجئتُ رسوله الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه. فقال: اللَّهم حبِّب إلينا المدينة كحُبنا مكة وأشد وصَحّحها وبارك لنا في صاعها ومُدها وأنقُل حماها فاجعلها بالجُحفة. ومن حديث البَراء بن عازب قال: لما كان يوم حُنين رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم والعبّاس وأبا سُفيان بن الحارث بن عبد المطّلب وهما آخذان بِلجام بغلته وهو يقول: أنا النبيّ لا كَذِب أنا ابنُ عبد المُطّلبْ ومن حديث أبي بكر بن أبي شَيبة عن سُفيان بن عُيينة يَرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه لما دخل الغار نُكِبَ فقال. هل أنتِ إلا إصْبع دَمِيت في سَبيل الله ما لقيت فهذا من المَنثور الذي يُوافِق المنظوم وإن لَم يتعمد به قائله المنظوم. ومثل هذا من كلام الناس كثير يأخذه الوَزن مثلُ قول عبد مملوك لمواليه: اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى. ومثله كثير مما يأخذه الوزن ولا يُراد به الشعر. ولا يُسمَّى قولُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وإن كان موزوناً شعراً لأنه لا يراد به الشّعر. ومثلُه قي أي الكتاب: " ولو تطلّبت في رسائل الناس وكلامهم لوجدت فيه ما يَحتمل الوزن كثيراً ولا يُسمّى شعراً. من ذلك قولُ القائل: مَن يشتري باذنجان. تقطيعه: مستفعلن مفعولات. وهذا كثير. مَن قال الشعر من الصحابة والتابعين والعلماء المشهورين كان شعراء النبيّ صلى الله عليه وسلم: حسّان بن ثابت وكَعب بن مالك وعبدَ الله بن رواحة. وقال سعيد بن المُسيِّب: كان أبو بكر شاعراً وعُمر شاعراً وعليُّ أشعرَ الثلاثة. ومن قول عليّ كرّم الله وجهه بصِفين: لمَن رايةٌ سَوداء يخْفِق ظلُّها إذا قِيل قَدِّمها حُضين تَقدَّما يُقدِّمها في الصَّف حتى يزِيرها حِياضَ المَنايا تَقْطُر السّمّ والدَما جَزى الله عنِّي والجَزاء بكَفِّه رَبيعة خيراً ما أَعف وأكَرما وقال أنس بن مالك خادمُ النبيّ صلى الله عليه وسلم: قَدِم علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وما في الأنصار بيت إلاّ وهو يقول الشعر. قيل له: وأنتَ أبا حمزة قال: وأنا وقال عمرو بن العاص يوم صفين: شَبّت الحربُ فأعددتُ لها مُفْرع الحارِك مَحْبوك الثَّبَجْ يَصِل الشدَّ بشِدٍّ فإذا وَنت الخيلُ عن الشدَ مَعَج جُرْشُع أعظَمُه جُفْرَته فإذا أبتلّ من الماء خَرَج وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: فلو شَهدتْ جُمل مُقامي ومَشْهدي بصفِّين يوماً شاب منها الذوائب عشيّةً جا أهلُ العِراق كأنهم سَحاب ربيع زعْزعتها الجَنائب وجِئْناهُم نَرْدِي كأنّ صُفوفنا من البحر مدٌّ موجُه مُتراكب إذا قلت قد ولَّوا سرِاعاً بدت لنا كتائبُ مِنهم وأرجحنّت كَتائب فدارتْ رَحانا واستدارت رَحاهُم سراة النّهارِ ما تَوالى المناكب وقالوا لنا إنا نَرى أنْ تبايعوا علياً فقُلنا بل نَرى أن نُضارب من شعراء التابعين عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مَسعود وهو ابن أخي عبد الله بن مَسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد السَّبعة من فُقهاء المدينة وله يقول سَعيد بن المُسيّب: أنت الفقيه الشاعر. فقال: لا بُد للمصدور أن يَنْفث. يعني أنه مَن كان في صَدره زُكام فلا بد من أن يَنفث زَكمة صدره. يريد أن كل من أختلج في صَدره شيء من شعر أو غيره ظهر على لسانه. وقال عُمر بن عبد العزيز: وَدِدْت لو أنّ لي مجلساً من عبيد الله بن عبد الله ابن عُتبة بن مَسعود بدينار. قال عبيد الله بن عَبد الله بن عُتبة بن مسعود: ما أحسن الحسنات في إثْر السيآت وأقبحَ السيآت في إثر الحَسنات وأحسن من هذا وأقبح من ذلك: الحسنات في إثر الحسنات والسيآت في إثر السيآت. ومن شعراء التابعين عروة بن أذينة وكان من ثقات أصحاب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يَروي عنه مالك. وقال ابن شُبرمة: أن عُروة بن أذينة يَخرج في الثُّلث الأخير من الليلِ إلى سِكك البصرة فينادي: يأهل البصرة " أَوَ أَمِن أهْل القُرى أن يأتيَهم بأْسنا ضُحى وهُم يَلعَبونّ الصلاة الصلاة. من شعراء الفقهاء المبرزين عبد الله بن المًبارك صاحب الرقائق. وقال حِبان: خرجنا مع ابن المُبارك مُرابطين إلى الشام فلما نَظر إلى ما فيه القومُ من التعبّد والغَزو والسرايا كل يَوم التفت إليّ وقال: إنّا للهّ وإنّا إليه راجعون على أعمار أفنيناها وليال وأيام قطعناها في عِلْم الخليَّة والبَرِيّة وتركناها هنا أبوابَ الجَنَّة مفتوحة. قال: فبينما هو يمشي وأنا معه في أزقة المَصِّيصة إذ لقي سَكرانَ قد رفع عَقيرته يتغنّى ويقول: أذلني الهوى فأنا الذليلُ وليس إلى الذي أهوى سبيل قال: فأخرج برنامجاً من كُمه فكتب البيت. فقلنا له: أتكتب بيت. شعر سمعتَه من سكران قال: أما سمعتم المَثل: رُب جوهرة في مَزْبلة قالوا: نعم. فهذه جَوْهرة في مَزبلة. وبلغ عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود عن عمر بن عبد العزيز بعضُ ما يكره فكتب إليه: أتاني عنك هذا اليومَ قولٌ فضِقْت به وضاق به جَوابي فإن تك عاتباً تُعْتَب وإلا فما عودي إذاً بيَراع غاب وقد فارقتُ أعظَم منك رُزءَاً وواريتُ الأحِبَّة في التُّراب وقد عَزّوا علي إذ اسْلموني معاً فلبستُ بعدهُم ثِيابي وقد ذكرنا شعر عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة وعُروة بن أُذينة في الباب الذي يتلو هذا الباب وهو: قولهم في الغزل. حدّث فرج بن سلام قال: حدِّثنا عبد الله بن الحَكم الواسطيّ عن بعض أشياخ أهل الشام قال: استعمل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حَرب على نجران. فولاّه الصلاة والحرب. ووجّه راشدَ بن عبد ربِّه السلمي أميراً على القضاء والمظالم. فقال راشدُ بن عبد ربّه: صحا القلبُ عن سَلمى وأقصر شأوه وردّت عليه ما بَعَتْه تُماضر وحكّمه شيبُ القَذال عن الصبا وللشّيب عن بعض الغَواية زاجر فاقصر جَهْلِي اليومَ وأرتد باطلي عن الَّلهو لما ابيض مني الغدائر على أنه قد هاجه بعد صحْوه بمَعْرض ذي الاجام عيسٌ بواكر ولما دنت من جانب الغُوط أخصبت وحلّت ولاقاها سُلَيم وعامر فألقت عَصاها واستقرت بها النَّوى كما قَر عيناً بالإياب المُسافر وكان عبد الله بن عمر يُحب ولده سالماً حبّاً مُفرطا فلامه الناس في ذلك فقال: يلومونني في سالم وألومهم وجِلْدَةُ بين العَين والأنْف سالم وقال: إنّ ابني سالما ليُحب الله حبّاً لو لم يخَفه ما عصاه. وكان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه إذا برز إلى القتال أنشد: أيّ يومي من الموتِ أفر يومَ لا يُقدر أم يوم قُدر يومَ لا يُقدر لا أرهبه ومِن المقدور لا يَنْجو الحَذِر وكان إذا سار بأرض الكوفة يرتجز ويقول: يا حبذا السير بأرض الكُوفه أرضٍ سواءٍ سَهْلة مَعروفه تعرفها جِمالنا المَعْلوفه وكان عبد الله بن عباس في طريقه من البصرة إلى مكة يحدو الإبل ويقول: أُولى إلى أهلك يا ربَابُ أُولى فقد هان لك الإيابُ وقال ابن عباس لما كفّ بصره إن يأخذ الله من عينيّ نُورَهما ففي لساني وقَلبي منهما نُورُ قولهم في الغزل قال رجل لمحمد بن سيرين: ما تقول في الغَزل الرقيق يُنشده الإنسان في المسجد فسَكت عنه حتى أُقيمت الصلاة وتقدَم إلى المحراب فالتفت إليه فقال: وتبرد بَرد رداء العرو س في الصَّيف رَقرقتَ فيه العَبيرا وَتسخن ليلةَ لا يَسْتطيع نُباحاً بها الكلبُ إلا هَريرا ثم قال: الله أكبر. وقال العجاّج. دخلتُ المدينة فقصدتُ إلى مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم فإذا بأبي هُريرة قد أكب الناس عليه يسألونه فقلت: أفرجوا لي عن وجهه. فأفرج لي عنه. فقلت له: إني إنما أقول: طاف الخَيالان فهاجَا سَقَما خيالُ أروى وخيِال تَكْتُما تُريك وجهاً ضاحكاً ومِعْصما وساعداً عَبْلاً وكَعْباً أَدْرما فما تقوله فيه قال: قد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُنشَد مثلَ هذا في المسجد فلا ينكره. ودخل كعب بن زهير على النبي صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الصبح فمثل بيت يديه وأنشد: ما إن تَدوم على حال تكون بها كما تلوّن في أثوابها الغُول ولا تَمسّك بالوعد الذي وَعدت إلا كما يُمسك الماءَ الغَرابيل كانت مواعيد عُرقوب لها مثلاً وما مواعيدُها إلا الأباطيل ولا يَغُرًنك ما منت وما وَعدت إنّ الأمانيّ والأحلام تَضْليل ثم خرج من هذا إلى مَدح النبيّ صلى الله عليه وسلم. فكساه بُرداً اشتراه منه معاويةُ بعشرين ألفاً. ومن قول عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود في الغزل: كتمتَ الهوى حتى أضرّ بك الكَتْم ولامَك أقوامٌ ولومُهمُ ظُلم ونَم عليك الكاشِحون وقبل ذا عليك الهَوى قد تَمّ لو نَفع النّم فيامَن لِنفس لا تَموت فَيْنقضي عَناها ولا تَحْيا حَياةً لها طَعم ودخل كعب بن زهير على النبي صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الصبح فمثل بيت يديه وأنشد: بانت سعاد فقَلبي اليوم مَتْبولُ مُتَيم إثْرها لم يُفْد مَكْبُولُ وما سُعاد غدَاة البَين إذ رَحلوا إلا أغنُّ غَضيض الطرف مَكحول هَيفاء مَقْبلة عَجْزاء مدْبرة لا يشتكي قِصَر منها ولا طُول ما إن تَدوم على حال تكون بها كما تلوّن في أثوابها الغُول ولا تَمسّك بالوعد الذي وَعدت إلا كما يُمسك الماءَ الغَرابيل كانت مواعيد عُرقوب لها مثلاً وما مواعيدُها إلا الأباطيل ونَم عليك الكاشِحون وقبل ذا عليك الهَوى قد تَمّ لو نَفع النّم فيامَن لِنفس لا تَموت فَيْنقضي عَناها ولا تَحْيا حَياةً لها طَعم ومن شعر عُروة بن أذينة وهو من فقهاء المدينة وعُبّادها وكان من أرقّ الناس تشبيبا: قالت وأَنبثتها وَجْدي وبُحت به قد كُنتَ عندي تحب السِّتر فاستَتِر ومن شعر عُروة بن أذينة وهو من فقهاء المدينة وعُبّادها وكان من أرقّ الناس تشبيبا: قالت وأَنبثتها وَجْدي وبُحت به قد كُنتَ عندي تحب السِّتر فاستَتِر ألست تُبصر من حولي فقلتُ لها غطَّى هواك وما ألقَى على بَصري ووقفتْ عليه امرأة فقالت له: أنت الذي يقال فيك الرجل الصالح وأنت تقوله: إذا وجدتُ أُوار الحُبّ في كَبِدي غدوتُ نحو سِقاء الماء أَبتَرِدُ هبني بردتُ ببرَد الماء ظاهرَه فَمن لنار على الأحشاء تَتّقد والله ما قال هذا رجل صالح. وكذبتْ عدوةُ الله عليها لعنة اللّه بل لم يكن مُرائيا ولكنه كان مَصْدورا فنَفث. وقدم عُروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك في رجال من أهل المدينة فلما دخلوا عليه ذكروا حوائجِهم فقضاها ثم التفت إلى عُروة فقال له: ألست القائل: لقد علمتُ وخيرُ القول أصدَقهُ بأنّ رزْقي وإن لم آتِ يَأْتيني أسعى له فيُعنِّيني تَطَلُّبه ولو قعدت أتاني لا يُعَنّيني قال: بلى. قال: فما أراك إلا قد سَعيت له. قال: سأنظر في أمري يا أمير المؤمنين وخَرج عنه قولهم في المدح قال شَراحيل بن مَعْن بن زائدة: حجّ الرشيد وزميلُه أبو يوسف القاضي وكنت كثيراً ما أسايره: فبينما أنا أسايره إذ عرض له أعرابيّ من بني أسد فأنشده شعراً مدحه فيه وقَرّظه. فقال له الرشيد: ألم أَنْهك عن مثل هذا في شِعْرك يا أخا بني أسد إذا أنت قلت فقل كما قال مَروان بن أبي حَفصة في أبي هذا وأشار إليّ يقول: بنوِ مَطر يوم اللِّقاء كأنهم أُسود لها في غِيل خِفَّان أَشْبُلُ همً يمنعون الجار حتى كأنما لجارهمُ بين السِّماكين منزل بها ليلُ في الإسلام سادُوا ولم يكُن كأوِّلهم في الجاهليّة أول هم القومُ إن قالوا أصابُواو إن دُعوا أجابُواو إنْ أَعطوا أَطابوا وأَجْزلوا وما يَستطيع الفاعلون فَعالَهم وإنْ أَحسنوا في النائبات وأَجملوا وقال عُتبة بن شمَّاس يَمدح عُمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: إنّ أولى بالحقّ في كل حَقٍّ ثُمّ أحرى بأن يكون حَقِيقَا مَن أبوه عبدُ العزيز بنُ مَرْوا ن ومَن كان جَدُّه الفَاروقا مَدحٍ عبّاس بن مِرْداس رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فكَساه حُلَّة. ومَدحه كَعب بن زهير كَساه بُردا اشتراه منه معاويةُ بعشرين ألف درهم وإن ذلك البُرد لعند الخلفاء إلى اليوم. وقال ابنُ عبّاس: قال لي عُمر بن الخطّاب: أنشدني قول زُهير. فأنشدتُه قولَه في هَرِم بن سِنَان بن حارثة حيثُ يقول: قومٌ أبوهم سِنان حين تَنْسبهم طابُوا وطابَ من الأفلاذ ما ولَدوا لو كان يُعقد فوق الشّمس من كَرم قوم بأولهم أو مَجْدهم قَعدوا جِنّ إذا فَزِعوا إنْس إذا أمنوا مُرَزَّءون بهاليل إذا احتَشدوا مُحسَّدون على ما كان مِن نِعم لا يَنزع الله منهم مالَه حُسدوا فقال له عمر: ما كان أحبَّ إليّ لو كان هذا الشِّعر في أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. انظُر إلى ضنانة عُمر بالشعر كيف يرَ أحداً يَستحق مثل هذا المدح إلا أهلَ بيت محمد عليه الصلاة والسلام. وأسمع رجل عبد الله بنِ عمر بيتَ الحُطيئة: مَتى تَأْتِه تَعْشو إلى ضوْء ناره تَجدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ مُوقِد فقال ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فلم ير أحداً يَستحق هذا المدح غير رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذن نُصيب بن رَبَاح على عمر بن عبد العزيز فلم يأذن له فقال: أعْلموا أميرَ المؤمنين أنِّي قلتُ شعراً أوله الحمد للّه. فأعلموه. فأَذِن له فأُدخل عليه وهو يقول: الحمدُ للّه أما بعدُ يا عُمر فقد أتتْنا بك الحاجاتُ والقَدرُ فأَنت رأسُ قريش وابنُ سيِّدها والرأسُ فيه يكون السمع والبَصر فأَمر له بحلْية سَيفه. ومدَحه جرير بشعره الذي يقول فيه: هذِي الأراملُ قد قَضِّيت حاجتَها فَمَنْ لحاجةِ هذا الأرمل الذكرِ فأَمر له بثلثمائة دِرْهم. ومدحه دُكين الرَّاجز فأَمر له بخَمس عشر ناقة. ومَدح نُصيب بن ربَاح عبد الله بن جعفر فأَمر له بمال كثير وكُسوة ورَواحل. فقيل له: تَفعل هذا بمثل هذا العَبدِ الأسود فقال: أمَا والله لئن كان عبداً إنّ شعره لحُر وان كان أسودَ إن ثناءه لأبيض. وإنما أخذ مالاً يفَنى وثياباً تَبلى ورواحل تَنضى فأعطى مديحا يُروى وثَناءه يَبقى. ودخل ابن هَرِم بن سِنان على عمرَ بن الخطاب فقال له: مَن أنت قال: أنا ابنُ هرم بن سنان. قال: صاحب زهير قال: نعم. قال: أما إنه كان يقول فيكم فيُحسن. قال: كذلك كنا وكان طُريح الثًقفي ناسكاً شاعراً فلما قال في أبي جعفر المَنصور قولَه: أنت ابنُ مُسْلنِطح البِطاح ولم تَعْطِف عليك الحني والولُجُ لو قلت للسيل دَعْ طريقَك والمو جُ عليه كالليل يَعتلج لهمَّ أو كاد أو لكان له في سائر الأرض عنك مُنعرج طُوبىَ لفرعَيْك من هُنا وهُنا طوبَى لأعراقك التي تَشج قال أبو جعفر: بلغني عن هذا الرجل أنه يتأله فكيف يقول للسّيل: دع طريقك. فبلغ ذلك طريحاً فقال: الله يعلم أني إنما أردت: يا رب لو قلت للسيل دع طريقك. وقال الحطيئة لمّا حَبسه عمرُ بن الخطاب في هجائه للزّبرقان بنَ بدر أبياتاً يمدح فيها عُمر ويسَتعطفه. فلما قرأها عمرُ عَطف له وأمر بإطلاقه وعفا عما سلف منه. والأبيات: ماذا تقول لأَفراح بذي مَرَخ زُغْبٍ الحَواصل لا ماء ولا شَجَرُ ألقيت كاسبَهم في قَعر مُظلمة فاغفر عليك سلامُ الله يا عمر أنت الإمام الذي من بعد صاحِبه ألقَى إليك مقاليد النًّهى البَشر ما آثروك بها إذ قدّموك لها لكنْ لأنفسهم كانت بها الإثر ودخل ابن دارَة على عديّ بن حاتم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مدحتُك. قال: أمسك حتى آتيك بمالي ثم امدحني على حَسبه فإنّي أكره ألا أعطيك ثمن ما تقول لي ألفُ شاة وألفُ دِرْهم وثلاثة أَعبد وثلاث إماء وفرسي هذا حَبيس في سبيل اللّه فامدَحْني على حَسب ما أخبرتك. فقال: تحِنّ قَلوصي في مَعدٍّ وإنما تُلاقيِ الربيعُ في ديار بني ثُعَلْ وأبْقى الليالي مِن عَديّ بن حاتم حُساماً كنَصل السِّيف سُلَّ من الخِلَل أبوك جواد لا يُشق غُباره وأنت جواد ليس يُعذِر بالعِلل فإنْ تَفعلوا شرّاً فمثلكُم اتَّقى وإنْ تَفعلوا خيراً فمثلكُم فعل قال عديّ: أمسك لا يبلغ مالي إلى أكثر من هذا. قولهم في الهجاء قال الله تبارك وتعالى في هجو المشركين: " آَلمْ تَرَ أَنّهم في كُلِّ وادٍ يَهيمون.
وأَنّهم يَقُولون ما لا يفعلونْ.
إلا الذين آمنوا وعَمِلُوا الصَّالحات وذَكَرُوا الله كَثيراً وانتصروا مِن بَعد ما ظُلموا وسَيَعْلَم الذين ظَلَموا أيَّ مُنْقَلب يَنْقَلبون يا رسول اللّه إن أبا سفيان يهجوك. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: اللّهم إنه هَجاني وإني لا أقول الشعر فاهجُه عني. فقام إليه عبد الله بن رَواحة فقال: يا رسول اللّه إيذن لي فيه. قال: أنت القائل: قثبّت الله ما آتاك من حسن. قال: نعم. قال: وإياك فثبت اللّه. ثم قام إليه كعب بن مالك فقال: يا رسول اللّه إيذن لي فيه. فقال: أنت القائل هممت قال: نعم. قال: لستَ له. ثم قام حسَّان بن ثابت فقال: يا رسول اللّه إيذن لي فيه وأخرج لسانه فضَرب به أَرْنبة أنفه وقال: والله يا رسول الله إنه ليخيَّل لي أني لو وضعتُه على حجر لفَلقه أو على شَعر لحَلقه. فقال: أنت له اذهب إلى أبي بكر يُخبرك بمثالب القوم ثم اهجهم وجبريل معك. فقال يرد على أبي سفيان: ألا أبلِغ أبا سفيان عَنِّي مغلغَلةً فقد برح الخَفاءُ هجوت محمداً وأجبتُ عنه وعند الله في ذاك الجَزاء أتهجوه ولست له بندٍّ فشركما لخير كما الفداء أمن يهجو رسوله الله منكم ويطريه ويمدحه سواء لنا في كُل يوم من مَعدٍّ سِباب أو قِتال أو هِجَاء لساني صارمٌ لا عيبَ فيه وبَحْري لا تُكدِّره الدِّلاء فإنّ أبي ووالدَه وعِرْضى لِعْرض محمد منكم وِقَاء وقال رجل من أهل اليمن: دخلتُ الكوفة فأتيتُ المسجد فإذا بعَمار بن ياسر ورجل يُنشده هِجاء معاوية وعمرو بن العاص وهو يقول: ألصق بالعجوزَيْن. قلت له: سبحان اللّه!. أتقول هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: إن شئت فاجلس وإن شئت فاذهب. فجلست فقال. أتدري ما كان يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هجانا أهلُ مكة قلت: لا أدري. قال: كان يقول لنا: قولوا لهم مثل ما يقولون لكم. وقال النبيّ صلى الله عليه زعمتْ سَخينة أنْ ستغلب ربَّها وليُغلبنّ مُغالب الغلاّب وسألت هُذيل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يُحل لها الزِّنا. فقال حسان في ذلك: سالت هذيل رسولَ الله فاحشةً ضلّت هذيل بما سالت ولم تصب وقال عبد الملك بن مروان: ما هجاني أحدٌ بأوجع من بيت هُجي به ابن الزُّبَير وهو: فإن تُصِبْك مِن الأيام جائحة لم نَبك منك على دُنيا ولا دين وقيل لعَقيل بن علَّقة: ما لك لا تُطيل الهجاء قال: يَكفيك من القِلاَدة ما أحاط بالعنق. وقال رجل من ثَقيف لمحمد بن مُناذر: ما بالُ هجائك أكثر من مَدْحك قال: ذلك مما أغراني به قومُك واضطرني إليه لؤمك. وقال أبو عمرو بن العلاء: قلت لجرير: إنك لعَفيف الفَرج كثيرُ الصَّدقة فَلِم تَسُب الناس قال: يبدءوني ثم لا أغفر لهم. وكان جرير يقول: لست بمُبتدئ ولكنني مُعتدٍ - يريد أنه يُسْرفِ في القِصاص. ومثله قوله الشاعر: بني عمّنا لا تَنْطقوا الشعرَ بعدما دَفنتم بأفناء العُذَيب القَوافِيا فَلَسنا كَمن قد كنتمُ تَظْلِمونه فيقبل ضَيماً أو يحكم قاضيا ولكنّ حكم الصيف فيكم مُسلَط فنرضى إذا ما اصبح السيفُ راضيا فإن قلتُم إنّا ظَلمنا فلم نكُن ظَلمنا ولكنّا أسأنا التقاضيا أبو الحسن المدائني قال: وفد جرير على عبد الملك بن مروان فقال عبد الملك للأخطل: أتعرف هذا قال: لا. قال: هذا جرير قال الأخطل: والذي أعمى رأيك يا جرير ما عرفتُك. قال له جرير: والذي أعمى بصيرتك وأدام خِزيتك لقد عرفتُك لَسِيماك سِيما أهل النار. ابنُ الأعرابيّ قال: دَخل كُثيّر عَزّة على عبد الملك فانشده وعنده رجل لا يعرفه. فقال عبدُ الملك للرجل: كيف تَرى هذا الشعر قال. هذا شعر حِجازيّ دعني أضغَمه لك ضَغْمه. قال كُثِّير: مَن هذا يا أمير المؤمنين قال: هذا الأخطل. قال: فالتفت إليه فقال له: هل ضَغمتَ الذي يقول: والتَغلبيّ إذا تَنحنح للقِرَى حكّ آستَه وتمثَّل الأمثالاَ تلقاهُم حُلَماء عن أعدائهم وعلى الصَّديق تراهم جُهَّالا حدّثنا يحيى بن عبد العزيز قال: حدثنا محمد بن عبد الحَكم بمصر قال: كان رجل له صديق يقال له حُصين فَولى موضعاً يقال له السَّابَيْن فطلب إليه حاجةً فاعتلّ عليه فيها فكتب له: لا أذهبْ إليك فإنّ وُدّكَ طالق مني وليس طلاقَ ذات البَيْنِ فإذا ارْعويتَ فإنها تَطْليقة وتُقيم وُدَّك لي على ثِنْتين وإذا أبيتَ شفعتُها بمثالها فيكون تَطليقان في حَيْضين لم أَرض أنْ أَهجو حُصيناً وحدَه حتى أسود وجهَ كل حُصين طَلب دِعبلُ بن عليِّ حاجة إلى بعض الملوك فصَرّح بمَنعه. فكتب إليه: أحسبتَ أرضَ الله ضيّقةً عنّي فأرضُ الله لم تَضِقِ وحَسبْتني فَقْعاً بِقَرْقرةٍ فوطِئْتَني وَطْئاً على حَنَقِ فإِذا سألتُك حاجةً أبدا فاضربْ بها قُفْلاً على غَلَق وأعِدَّ لي غُلاًّ وجامعةً فاجمع يديّ بها إلى عُنقي ثم ارم بي في قَعر مُظلمة إن عدتُ بعد اليوم في الحُمُق ما أطوَلَ الدُّنيا وأوسَعها وأدلَّني بمَسالك الطُّرق ومثل هذا قول أبي زُبيدة: ليتكَ أَدّبتَني بواحدة تجعلها منكَ آخِرَ الأبدِ تَحِلف ألا تَبرّني أبداً فإنّ فيها بَرْداً على كَبِديَ إن كان رِزْقي إليك فارْم به في ناظرَيْ حية على رَصَدِ وقال زياد: ما هُجيت ببيت قطُّ أشدَّ عليّ من قول الشاعر: سُبْحان من مُلْك عَبّاد بقُدرته لا يَدْفع الخلقُ محتومَ المَقادير وقال بِلاَل بن جَرير: سألتُ أبي: أيّ شيء أشدُّ عليك قال: قولُ البَعِيث: ألستَ كُليبياً إذا سِيم خُطّةً أقرَّ كإقرار الحَليلة للبَعْل وكل كُليبيّ صحيفة وجهه أذلُّ لأقدام الرّجال من النَعل وكان بلالُ بن جَرير شاعراً ابنَ شاعر ابنَ شاعر لأن الخَطفي جدَّه كان شاعراً وهو القائل: ما زال عِصيانُنا للّه يُسْلمنا حتى دفعنا إلى يَحيى ودينارِ إلى عُليجين لم تُقْطع ثِمارُهما قد طالما سَجداً للشمس والنّار ومن أخبث الهجاء قولُ جَميل: أبوك حُباب شارق الضَّيف بُرْدَه وجدِّيَ يا شمّاخ فارسُ شَمَّرَا بنو الصّالحين الصالحون ومَن يَكُن لآباء سَوْء يَلْقهم حيث سَيَّرَا فإن تَغْضبوا من قِسمة الله فيكم فَللَهُ إذ لم يُرضِكم كان أبصرا وقال كُثير في نُصيب وكان أسودَ ويكني أبا الحَجناء: رأيت أبا الحَجناء في الناس حائراً ولونُ أبي الحَجناء لونُ البهائِم يراه على ما لاحَه من سَواده وإن كان مَظلوماً له وجهُ ظالم ألم تَر أنّ الله أنزل نَصْره وسعدٌ بباب القادسيّة مُعْصِم فأُبْنا وقد آمتّ نساء كثيرة ونسْوة سَعد ليس فيهنّ أيَم فقال سَعد: اللهم اكفني يَده ولسانَه. فَخَرِس لسانُه وضُربت يدُه فقُطعت. وذُكر عند المُبرّد محمد بن يزيد النحويّ رجلٌ من الشعراء فقال: لقد هجاني ببيتين أنضجَ بهما كَبدي. فاستنشدوه. فأَنشدهم هذين البيتين: سألنا عن ثُمالةَ كُلّ حَيّ فكُلّ قد أجاب ومَن ثُماله فقلتُ محمد بن يزيدَ منهم فقالوا الآن زِدْتهما جَهاله ولم يَقل أحدٌ في القبيح أحسنَ من قول أبي نُوَاس: وقائِلةٍ لها في وَجْه نُصْحٍ علامَ قتلتِ هذا المُستهامَا فكان جوابُها في حُسن مَيْسِ أأجمع وجهَ هذا والحَراما وكان جرير يقول: إذا هجوت فأضحك. وينشَد له: إذا سَعلتْ فتاةُ بَنى نُمير تلقَّمَ بابُ عِصْرِطها التُّرابا تَرى بَرصاً بمَجمع إسكَتيها كعَنْفقَة الفَرزدق حين شَابا وقوله أيضاً: وقوله أيضاً: أحين صِرْت سَماماً يا بني لجأ وخاطرتْ بيَ عن أحسابها مُضَرُ هيأتمُ عُمَرا يحمي دياركم كما يُهيَّأ لاست الخارئ الحَجر وقال عليُّ بن الجهم يهجو محمدَ بن عبد الملك الزيَّات وزيرَ المتوكل: أحسن من سبعين بيتاً سُدى جمعُك إياهنّ في بَيْتِ ما أحوَج المُلك إلى دِيمَة تَغسل عنه وَضَر الزَّيت وقالوا: أَهجى بيت قالْته العرب قولُ الطرمّاح بن حَكيم: تميم بطُرْق اللؤمٍ أهدَى من القَطَا ولو سَلكتْ سُبْلَ المَكارم ضَلَّت ولو أنّ بُرْغوثا على ظهر قَملة رأتْه تميمٌ يوم زحْفٍ لولّت ولو أن عُصفوراً يمُد جناحَه لقامت تميمٌ تحتَه واستظلّتِ وقال بعضُهم: قولُ جرير في بني تَغلب: والتّغلبيّ إذا تَنحنح للقِرَى حكّ آستَه وتمثّل الأمثالاَ ويقال: قولُه: قومٌ إذا اْستَنْبح الأضيافُ كلبَهُم قالوا لأمهم بُولِي على النّار قالوا الأشاقر تَهجوكم فقلتُ لهم ما كنتُ أحسبُهم كانوا ولا خُلِقُوا وهم من الحَسب الذّاكي بمنزلةٍ كطُحلب الماء لا أصلٌ ولا وَرَق لا يكثُرون وإن طالتْ حياتهم ولو يَبول عليهم ثَعلب غَرِقوا وقوله أيضاً: قَضى الله خلقَ الناس ثم خُلقُتُم بَقِيَّةَ خَلْق الله آخرَ آخِر فلم تَسمعوا إلا الذي كان قبلكم ولم تُدركوا إلا مَدَقّ الحَوافر وقال فيهم: قَبيلةٌ خَيرُها شرّها وأصدقُها الكاذب الآثم وضيفهُمُ وَسْطَ أبياتِهم وان لم يكن صائماً ضائمُ ونظير هذا قول الطِّرمَّاح: وما خُلقتْ تَيْم وزَيد مَناتِها وضبَّةُ إلا بعد خَلق القَبائل ومن أخبث الهجاء قول الطرمّاح في بني تميم: لو حان ورد تَميم ثم قِيل لهم حوض الرَّسول عليه الأزْدُ لم تَرِدِ لو كان يخفى على الرحمن خافية من خَلْقه خَفِيت عنه بنو أسد قومٌ أقام بدار الذل أوّلُهم كما أقامت عليه جذْمةُ الوَتِد ومثله قول المُساور بن هِنْد: ما سرني أنّ قَوْمي من بني أسد وأنّ رَبيٍّ يُنْجيني من النارِ وأنهم زَوّجوني من بناتِهم وأنّ لي كلّ يوم ألفَ دينار ومن أخبث الهجاء من غير إقذاع: بلاد نأَى عني الصديقُ وسبّني بها عنزيَّ ثم لم أَتكلّم وقال عبيد: يا أبا جعفر كتبتُك سَمْحاً فاستطال المِداد فالميم لامُ لا تلمني على الهِجماء فلم يَه جك إلا المدادُ والأقلام وقال سليمان بن أبي شَيخ: كان أبو سَعيد الرَّاني يُماري أهل الكوفة ويفضل أهلَ المديِنة فهجاه رجل من أهل الكوفة وسّماه شرْشيراً. وقال: كلب في جهنم يُسمى شرْشيراً. فقال: عندي مسائلُ لا شَرْشير يَعرفها إنْ سِيل عنها ولا أصحاب شَرْشير لا تسألنَّ مَدينيّا فتُكْفِرهْ إلا عن البَمّ والمَثْنى أو الزِّير فكتب أبو سعيد إلى أهل المدينة: إنكم قد هُجيتم فرُدُّوا. فَرَد عليه رجل من أهل المدينة يقول: لقد عجبت لغَاوٍ ساقَه قدر وكُل أمر إذا ما حُمّ مَقدورُ قالوا المدينة أرضَ لا يكون بها إلاّ الغِناء وإلاِّ البمّ والزّير لقد كذبتَ لعمر الله إنّ بها قَبرَ النبي وخير الناس مَقْبور قال: فما انتَصر ولا انتُصر به فليته لم يَقُل شيئاَ. وقال: فساور الوراق في أهل القِياس: كُنا من الدّين قبل اليوم في سَعِةٍ حتى بُلِينا بأصحاب المقاييس قامُوا من السُوق إذ قلّت مكاسبُهم فاستعمَلوا الرأيَ بعد الجَهد والبوس أمِّا العُرَيْب فأمَسوْا لا عطَاءَ لهم وفي المَوالي علاماتُ المفاليس قال: فلقيه أبو حَنيفة فقال له: هجوْتنا نحن نرضيك فبعث إليه بدراهم فَكفَّ عنه وقال: إذا ما الناسُ يوماً قايسُونا بمسألة من الفُتيا طريفَهْ أتيناهم بمقْياس صَحيح بَديع من طِراز أبي حَنِيفة ومن خبيث الهجاء قولُ الشاعر: عَجِبْت لعبدانٍ هَجوْني سَفاهةً أَن اصطَبحوا من شائِهم وتَقيَّلُوا بِجَاد وَرَيْسان وفِهْر وغالب وعَون وهِدْم وابن صِفْوة أَخيلُ فأمّا الذي يُحصيهم فمُكَثِّر وأمّا الذي يطريهم فمُقلِّل وقال أبو العتاهية في عبد الله بن مَعن بن زائدة: قال ابنُ مَعْنِ وجَلَى نَفسه على القَرابات مِن الأَهل هَل في جَوارِي الحَيّ من وائل جاريةٌ واحدة مِثْلي أُكْنَى أبا الفضل فيا مَن رأى جاريةً تُكنى أبا الفَضْل قد نقطت في خدِّها نُقطةً مخافةَ العَين من الكُحل مداراة الشعراء وتَقيتهم أبو جعفر البَغداديّ قال: مَدح قومٌ من الشعراء بن سُليمان بن عليّ بن عبد الله بن عبَّاس فماطلهم بالجائزة وكان الخليلُ بن أحمد صدَيقه وكان وقتَ مَدْحهم إياه غائباً فلمّا قَدِمَ الخليلُ أَتَوْه فأخبروه واستعانوا به عليه فكتب إليه: لا تَقبلنّ الشعر ثم تَعُقه وتَنام والشعراءُ غيرُ نيام واعلم بأنهمُ إذا لم يُنصَفوا حَكموا لأنفسهم على الحُكّام وجنايةُ الجاني عليهم تَنْقضي وعقابُهم باقٍ على الأيّام فأجازهم وأحسن إليهم. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لمّا مدحه عبّاس بن مِرْداس: اقطعوا عنّي لسانَه. قالوا: بماذا يا رسولَ اللّه فأمر له بحُلة قَطع بها لسانَه. ومَدح ربيعةُ الرقيّ يزيدَ بنَ حاتم وهو والي مصر فتشاغل عنه ببعض الأمور واستبطأه ربيعةُ فشخص من مصر وقال: أُراني ولا كُفران للّه راجعاً بخُفَّيْ حُنين من نَوال ابنِ حاتِم فبلغ قولُه يزيدَ بن حاتم فأرسل في طلبه وردّه. فلمّا دخل عليه قال له: أنت القائل: قال: نعم. قال: هل قُلت غير هذا قال: لا. قال: والله لترجعنّ بِخُفيِّ حُنين مملوءتين مالاً فأمر بخَلْع خُفيه وأن تُملا له مالاً. ثمّ قال: أَصْلح ما أفسدت من قولك. فقال فيه لما عُزل من مصر ووُلّي مكانَه يزيدُ بن حاتم السُّلمي: بَكى أهلُ مصر بالدموع السَّواجِم غداة غدا منها الأغر ابن حاتم لشتّان ما بيت اليَزيدين في النّدى يزيد سليمٍ والأغرِّ ابن حاتم فَهَمُّ الفَتى القَيْسيّ إنفاقُ مالِه وهَمُّ الفَتى العَبْسيّ جَمْعُ الدَّراهم فلا يَحسب التَّمتامُ أنّي هجوته ولكنًني فضّلتُ أهل المَكارم وأعلم أنّ تقيّةَ الشعراء من حِفظ الأعراض التي أمر الله تعالى بحفظها. وقد وضعنا في هذا الكتاب باباً فيمن وضعه الهجاء ومَن رفعه المدح. وكان لزياد عامل على الأهوازِ يقال له: تَيم. فمدحه رجلٌ من الشعراء فلم يعطه شيئاً. فقال له الشاعر: أما إني لا أهجوك ولكنّني سأقول فيك ما هو شرّ عليك من الهجاء فدخل على زياد فأسمعه شعراً مدحه فيه وقال في بَعضه: وكائن عند تَيْم مِن بُدُور إذا ما صُفِّدتْ تدعو زِياداً دعَتْه كي يُجيب لها وشيكاً وقد مُلئت حناجرُها صِفاداً
|